الرئيسية / أخبار العالم / عطوان : لماذا أصبحت التهديدات الروسية بالرد النووي علنية هذه الأيام؟ ولماذا لّمح مدفيديف الى ضرب واشنطن ولندن وبروكسل نوويا وليس كييف أولا؟

عطوان : لماذا أصبحت التهديدات الروسية بالرد النووي علنية هذه الأيام؟ ولماذا لّمح مدفيديف الى ضرب واشنطن ولندن وبروكسل نوويا وليس كييف أولا؟

لماذا أصبحت التهديدات الروسية بالرد النووي علنية هذه الأيام؟ ولماذا لّمح مدفيديف الى ضرب واشنطن ولندن وبروكسل نوويا وليس كييف أولا؟ وكيف كانت “هزيمة” خاركيف مصيدة “تكتيكية” لتشريع ضّم ربع أوكرانيا؟ وما هي الصواريخ الأكثر فتكا في جعبة بوتين ولم تستخدم بعد؟

 

عبد الباري عطوان // فري بوست//

 

تطورات الأوضاع الميدانية في جبهات القتال في الحرب الأوكرانية، عسكريا، وسياسيا، تشير الى وجود خطة روسية محكمة جرى اعدادها قبل أشهر وربما سنوات، تطبقها “غرفة عمليات” على مراحل، وبشكل دقيق، ونرى نتائجها دون عناء هذه الأيام.

 

يتبين يوما بعد يوم، ان ما حدث في خاركيف شمال أوكرانيا لم تكن هزيمة، وانما انسحاب تكتيكي للقوات الروسية، وتوظيف هذه “الهزيمة” من أجل الإقدام على خطوات استراتيجية، مثل إعلان التعبئة العامة جزئيا، وإجراء إستفتاء في أربع أقاليم في دونباس وغيرها شرق وجنوب أوكرانيا تمهيدا لضمها رسميا للاتحاد الروسي ربما بعد غد الخميس، وتطبيق القوانين الروسية فيها مثل كل المناطق الأخرى في الاتحاد الروسي.

 

لم يكن من قبيل الصدفة ان يخرج علينا اليوم الثلاثاء ديمتري مدفيديف، نائب مجلس الامن الروسي (الرجل الثاني في موسكو) بتصريحات مكتوبة على موقع “تيلغرام” يؤكد فيها “ان بلاده تملك الحق في استخدام الاسلحة النووية اذا كان ذلك ضروريا، خاصة اذا تعرضت البلاد او حلفاؤها لهجوم يهدد وجودها”.

 

هذا التصريح الذي جاء ردا على تهديدات من البيت الأبيض لموسكو “بعواقب وخيمة” في حال استخدامها السلاح النووي في أوكرانيا، يوجه رسالة مزدوجة الى أمريكا وحلف الناتو أولا، والى الحكومة الأوكرانية ثانيا، أبرز عناوينها ان عملية الضم لشرق وجنوب أوكرانيا (حوالي ربع أراضيها) إكتملت، وباتت شرعية بمقتضى نتائج الاستفتاء، وسيتم تفعيل عقيدة الجيش الروسي في الدفاع عنها في مواجهة أي هجوم تتعرض له، وبالأسلحة النووية اذا اقتضى الأمر.

 

النقطة الأهم التي وردت في تصريحات مدفيديف الرئيس السابق، والشخص الأكثر قربا للرئيس بوتين، هي تلك التي قال فيها “أمن لندن وواشنطن وبروكسل أهم بكثير بالنسبة لحلف الناتو من مصير أوكرانيا (المحتضرة) التي لا يحتاجها احد”، وهذا يعني ان روسيا التي لن تطلب اذنا من احد للرد النووي، حسب قوله، قد يأتي انتقامها بضرب هذه العواصم قبل كييف او مناطق أخرى في أوكرانيا، وهي تملك الغواصات والصواريخ الأسرع من الصوت المحملة برؤوس نووية وتصل الى قلب هذه العواصم في دقائق معدودة.

 

ما يؤكد ما ذكرناه في مقدمة هذا المقال حول الانسحاب التكتيكي على الأرجح وليس الهزيمة في خاركيف، امران اساسيان: الأول ان الرئيس بوتين لم “يطرد” الجنرال سيرغي شويغو وزير الدفاع، ورئيس هيئة اركان الجيش الروسي مثلما توقعت صحف غربية في إطار حملتها الدعائية بإعتبارهما مسؤولين عن الهزيمة، والثاني: اعتراف المحرر العسكري في صحيفة “نيويورك تايمز” ان صواريخ “هيمارس” الامريكية المتطورة التي حصل عليها الجيش الاوكراني باتت تفقد جدواها امام الروس وان الجنرالات في الجيش الاوكراني أكدوا فشلها في معارك مدينة ارتيوموفسك، وان القوات الروسية تكيفت معها، وكل الأنظمة الصاروخية الغربية، واتباع خطط لضربها، وإعادة توزيع مستودعات الذخيرة لجعلها أقل عرضة لهجمات هذه الصواريخ.

 

***

 

ما يمكن إستخلاصه من كل ما تقدم ان النوايا الروسية بإستخدام الأسلحة النووية لم يعد تهديدا مواربا او خجولا، وانما استراتيجية ثابته ومعلنة، ليس في أوكرانيا وحدها، وانما في عواصم دول حلف الناتو الكبرى أيضا التي تخطط لإطالة أمد هذه الحرب لإستنزاف روسيا، وان العكس هو الصحيح اذا علمنا ان حرب أوكرانيا تكلف الخزينة الامريكية وحدها 110 ملايين دولار يوميا منذ بدايتها (40 مليارا خلال 6 اشهر)، والحسابة تحسب.

 

السلاح الناعم والذي لا يقل خطورة عن نظيراته العسكرية، هو “صواريخ الصقيع الربانية” التي ستقصف كل المدن والقرى والارياف في أوروبا بعد بضعة أسابيع من الآن بسبب احتمال توقف امدادات الغاز والنفط الروسيين، كليا او جزئيا، علاوة على إعطاء العقوبات الاقتصادية على روسيا نتائج عكسية على حلفائها الأوروبيين أبرز عناوينها إنهيار الإسترليني واليورو، ومعظم البورصات المالية ان لم يكن كلها، ناهيك عن الغلاء، والتضخم، وتصاعد الاحتقان الشعبي الداخلي الذي سينفجر حتما في مظاهرات مليونية.

 

العصر الأوروبي القادم هو عصر الفحم والحطب، هذا اذا لم يكن عصر الضربات النووية.. والله اعلم.