هل هو خطاب “الوداع” الأخير للرئيس عباس من على منبر الأمم المتحدة.. وما هي النقاط السبع التي وردت فيه وتستحق القراءة؟ ولماذا جاء مليئا بالتناقضات والتهديدات بلا مخالب او اسنان؟ وعودته الى رام الله او عدمها المعيار الأهم
عبد الباري عطوان //
خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي القاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة “لم يقلب الطاولة”، ولكنه تضمن عودة “خجولة” لبعض المناطق المحرمة التي تخلت عنها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو في أيلول (سبتمبر) عام 1993، فربما تغيرت اللهجة قليلا، ولكن العبرة تظل دائما بالأفعال، واليوم التالي والتطبيق على الأرض، وهذا ما نستبعده بالنظر الى تجاربنا مع خطابات الرئيس السابقة، وقرارات المجلسين المركزي الوطني الفلسطيني التي وقف خلفها، واعتقدنا مخطئين انها ستغير كل المعادلات وتعود بالقضية الى الطريق الصحيح.
هناك عدة محطات رئيسية، وجديدة، وردت في خطاب الرئيس عباس تعكس تغييرات “نظرية” مهمة لا بد من التوقف عندها لمحاولة إستقراء المستقبل:
الأولى: التمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، وهذه هي المرة الأولى التي يلتزم فيها رئيس السلطة ومنظمة التحرير بهذه الوصاية، وبمثل هذا الوضوح، ومن على منبر المنظمة الدولية، فما الذي حدث؟
الثانية: المطالبة بتنفيذ قراري الأمم المتحدة رقم 181 (التقسيم) ورقم 194 (حق العودة للاجئين الفلسطينيين فورا)، بعد نسيان متعمد لها طوال الثلاثين عاما الماضية.
الثالثة: التأكيد على ان “إسرائيل” دولة فصل عنصري، وتساءل: لماذا لا يعاقبها المجتمع الدولي؟ فاذا كان الحال كذلك، لماذا الاستعداد للتفاوض معها فورا؟
الرابعة: تأكيده على ان اتفاقات أوسلو لم تعد قائمة على ارض الواقع بسبب عدم التزام “إسرائيل” بها، وانتهاكاتها المتصاعدة في الأراضي المحتلة، وهذا يعني عمليا حل السلطة التي قامت على أساسها، فلماذا لم يقلها علنا وهو الذي هدد بذلك في “خطاب المهلة” الذي القاه من على المنبر نفسه العام الماضي؟
الخامسة: التهديد بالبحث عن وسائل أخرى للحصول على الحقوق الفلسطينية لأنه لم يتم تطبيق قرار واحد من قرارات الأمم المتحدة، ولكنه اضفى غموضا على هذا التهديد عندما اكد انه لن يلجأ الى السلاح، ولا العنف، وتعهد بمحاربة “الإرهاب” مع المجتمع الدولي وطالب بحمايته.
يمكن ان يكون هذا خطاب “الوداع” للرئيس عباس، وأعمق تغيير من نوعه عن حالة الإحباط وخيبة الأمل التي يعيشها، وتقديم “عرض حال” الى المجتمع الدولي من على منبر الجمعية العامة، رغم اتهامه له بإتباعه معايير مزدوجة لا تطبق عندما تتعلق القرارات بتل ابيب، ولكنه خطاب جاء مليئا بالثقوب والثغرات، ولا يرتقي الى مستوى حالة الخذلان التي يعيشها الرئيس وشعبه وسلطته من جراء فشل رهاناته على السلام مع “شركائه” الإسرائيليين، وتقديم البدائل النقيضة والعملية بالتالي، والعودة الى مقاومة الاحتلال بكل اشكالها، على غرار ما فعل الرئيس ياسر عرفات بعد توصله متأخرا الى النتيجة نفسها بعد مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينية وحاول من خلال عودته للمقاومة والانتفاضة المسلحة إنقاذ الكثير من سمعته، وارثه والتكفير عن ذنوبه، وتنازلاته في اتفاقات اوسلو، الأمر الذي دفع بالإسرائيليين الى اغتياله.
الرئيس عباس اعتبر المقاومة “إرهابا” في خطابه عندما تعهد بمحاربتها مع المجتمع الدولي، وتعهد بعدم اللجوء الى السلاح والعنف، الأمر الذي يدفعنا الى سؤاله: ما هي البدائل التي ستبحث عنها لتحصيل الحقوق الفلسطينية بعد فشل خيارك الاسلوي التفاوضي في حال اسقاط كل الخيارات الأخرى التي سارت على طريقها كل الشعوب المحتلة؟
ما حدث ويحدث في نابلس وجنين قبل أيام من رضوخ قوات الامن الفلسطينية للشروط والاملاءات الإسرائيلية، واعتقال المطاردين والمقاومين واغتيال بعضهم، ينسف معظم ما جاء في خطاب الرئيس عباس حتى الآن، فإلغاء التنسيق الأمني هو الكلمة الفاصلة، والسماح بالعودة او عدمها الى المقاطعة في رام الله هو معيار لمقياس جدية رسالته هذه وكيفية تعاطي دولة الاحتلال معها.
تهديدات الرئيس عباس الواردة في خطابه جاءت بلا مخالب او أنياب، وربما لا تتعدى كونها صرخة ألم في سوق عكاظ الاممي، ونرجو ان نكون مخطئين.