الرئيسية / أخبار اليمن / تقرير لخبير أمريكي يفضح التضليل المعلوماتي في تغطية أحداث كريتر

تقرير لخبير أمريكي يفضح التضليل المعلوماتي في تغطية أحداث كريتر

تقرير لخبير أمريكي يفضح التضليل المعلوماتي في تغطية أحداث كريتر

 

  • فري بوست- متابعات

نشر مركز مركز ساوث24 للأخبار والدراسات، تقرير تحليلي مفصل، كتبه، الأمريكي فرناندو كارفاخال، الخبير في الجماعات المسلحة والخبير الأممي السابق، تطرق فيه إلى الأحداث التي شهدها مدنية كريتر بالعاصمة عدن مطلع الشهر الجاري.

 

الخبير الأمريكي، والذي عمل سابقا ضمن فريق خبراء اليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ضمن التحليل العديد من التفاصيل حول الأحداث وخلفية الصراع فيها.

 

وفي التقرير الذي حمل عنوان “اشتباكات كريتر والتضليل المعلوماتي”، بين طبيعة الصراع، فاضحا محاولات إعلام عربي ودولي نشر معلومات مضللة عن تلك الأحداث، اوقعهم فيها مراسلين مناهضين للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الجنوبية.

 

 

وفيما يلي تعيد عدن تايم نشر التقرير التحليلي…

 

فضحت جولة الاشتباكات الجديدة في اليمن مشكلة كبرى تساهم في تصعيد الأمور وتتمثل في التضليل المعلوماتي في تغطية الأحداث، واشتعلت شرارة الاشتباكات في كريتر بين القوات الأمنية في عدن والضابط المارق “إمام” محمد أحمد عبده الصلوي الشهير بالنوبي، القائد السابق لـ “معسكر 20”. وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى معركة بين الفصائل السياسية أدت إلى الزج بالقوى الإقليمية في أتون حرب إعلامية جديدة. ,وشكلت الأحداث المسلحة في كريتر تهديدا للأرواح. وسرعان ما بثت وسائل الإعلام المحلية والخارجية روايات بشأن المعارك الداخلية في الجنوب حيث تنتشر بشكل لحظي مانشيتات الأخبار عبر وسائل إعلام إقليمية وغربية تؤلب شركاء التحالف ضد بعضهم البعض.

 

 

وانطلقت شرارة المعركة التي استمرت على مدار يومين بعد اقتحام رجال “النوبي” أحد السجون واختطافهم ضابط شرطة، حيث تزامن ذلك مع التوترات المتصاعدة في شبوة، والعلاقات المتدهورة داخل إطار اتفاقية الرياض المبرمة عام 2019. وكان توقيت اقتحام السجن محل اشتباه بجانب أنواع الأسلحة وشدة القتال. وأظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي رجال “النوبي” وهم يستخدمون أسلحة جديدة من العيار الثقيل، بينها قاذفات قنابل يدوية من مواقع بالقرب من منازل مملوكة لإمام النوبي. وتمركزت قوات الحزام الأمني حول الطويلة في كريتر، مما أدى إلى نشوب حرب بالوكالة بين القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح التابع للإخوان المسلمين.

 

 

وتاهت التفاصيل الدقيقة للصراع بعد أن اندفعت وسائل الإعلام وأوردت تقارير حول التوترات المتزايدة في العاصمة اليمنية المؤقتة. إن التتبع الدقيق للتقارير الأولية خارج عدن، ومانشيتات وسائل الإعلام الخليجية، والتغطية المتتابعة من مؤسسات أمثال رويترز أسوشيتد برس واشنطن بوست تمنح فهمًا أفضل للكيفية التي وجدت خلالها المعلومات المضللة سبيلا لها من صحفيين، موالين لوسائل إعلام مناهضة، إلى المكاتب الإقليمية للمؤسسات الإعلامية الغربية الرئيسية. ويمتد نطاق تدفق المعلومات من الإعلام المحلي المناهض للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى المنصات الإعلامية الخليجية الموالية أمثال العربية والعربي والجزيرة وحتى الشرق الأوسط خلال شبكة مراسلين محليين يعملون لدى وسائل الإعلام الغربية.

 

وفي هذه الحالة، بدأت منصات إعلامية تابعة لحزب الإصلاح فيضًا من المعلومات المضللة التي وصلت مواقع التواصل الاجتماعي ثم انتشرت من خلال موالين لهم يعملون كمراسلين محليين لشبكات الإعلام الغربي. لم تتطرق التغطية كثيرا إلى تعقيدات الصراع ذاته لكنها تركزت على القوات الجنوبية ومحاولة تحميلها مسؤولية عدم الاستقرار في عدن وتصويرها على أنها الطرف الذي أشعل الأحداث وهو ما يناقض كونها هدفا للتصعيد.

 

خلفية الصراع

 

كما هو الحال مع أي قضية أو أحداث محددة في اليمن، ليس من السهل تقديم شرح بسيط لأحداث 1 أكتوبر التي وقعت في كريتر. خلفية هذه الأحداث تتطلب فهمًا للأطراف المرتبطة بها، وهي تفاصيل معقدة تشتت الانتباه عن أخبار يتم تقديمها إلى جمهور عام لا يملك إلا حدا أدنى أو لا شيء من المعلومات المتعلقة بهذا البلد. ومع ذلك، فإن هذا هو ما يحتاجه المرء إذا أراد المساهمة في حل الصراع والتعرف على وجهات النظر المحلية أو على الأقل عدم الضلوع بشكل مباشر في تصعيد الصراع.

 

بادئ ذي بدء، ينبغي على المراقبين استيعاب أن عدن هي منطقة مُتنازع عليها بشدة في اليمن، وتمثل واحدة من أصغر محافظات الدولة، ولم تكن فقط عاصمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خلال الفترة من 1967 إلى 1990 لكنها “جوهرة التاج” للإمبراطورية البريطانية من 1839 غلى 1967. وتم إدراك قيمتها الاستراتيجية من خلال أئمة زيديين في صنعاء منذ قرون حيث اعتبروا عدن بمثابة “عين اليمن”. وأعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي عدن عاصمة مؤقتة لليمن في 21 مارس 2015 بعد أن لاذ بالفرار من صنعاء في أعقاب بداية تعزيز الحوثيين سلطتهم بالعاصمة صنعاء. وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، ظلت عدن مركزا للصراع، بدءا من الحرب الأهلية القصيرة عام 1994، مرورا بصعود الحركة الجنوبية الانفصالية (الحراك) عام 2017، و”غزو” عدن بواسطة تحالف الحوثيين\صالح عام 2015، ثم الحرب بين الانفصاليين وحزب الإصلاح الذي يحاول إقامة مركز قوة بعد أن طرده الحوثيون والرئيس الراحل علي عبد الله صالح من صنعاء في سبتمبر 2014.

 

ورغم المواجهة التي اندلعت في 1 أكتوبر بين طرفين رئيسيين، لكنها تمثل جزءا من صراع أكبر نطاقا يتعلق بالسيطرة على عدن والتنافس عبر أرجاء المحافظات الجنوبية. أولا، يعد إمام النوبي شخصية معروفة ينتمي لمنطقة الطويلة في كريتر بعدن. وتكشف مقابلات مع مسؤولين وأقارب ضحايا جرائم النوبي، ومحادثات لاحقة مع أشخاص في عدن معلومات بشأن صعوده كداعية محلي وقائد شاب موالٍ لحزب الإصلاح الذي انجذب إليه للمرة الأولى أوائل عام 2007 وفقا لمصادر على دراية بماضيه. ويشير البعض في عدن إلى الدور الذي لعبه النوبي مع شباب الحراك عام 2011 أثناء الربيع العربي، حيث تعرض للوم بسبب قيادته جماعة من شباب الإصلاح. وفي 2015، قاد النوبي جماعة مسلحة تحارب قوات الحوثيين\صالح، وساهمت في نهاية المطاف في انسحابهم من كريتر بعدن. وسرعان ما تحرك النوبي ليبسط سيطرته على “معسكر 20» الذي يمثل اسمه إحياء لذكرى انتفاضة 20 يونيو 1967 في كريتر، وأسس قاعدة لجماعته المسلحة في موقع شديد الرمزية.

 

وأشارت مانشيتات الأخبار إلى صراع داخلي بين الانفصاليين يمتد منذ الدور الذي لعبه النوبي في محاربة قوات الحوثيين\صالح، وعلاقته بـ “المقاومة الجنوبية” التي تشكلت لحماية عدن في أعقاب تحريرها في أغسطس 2015. وأدمجت المقاومة الجنوبية كافة الميليشيات التي تشكلت لمقاتلة قوات الحوثيين\صالح بما في ذلك تلك التي يقودها مختار النوبي الأخ غير الشقيق لإمام والقائد السابق للقوات في الضالع، وقائد “محور أبين” حاليا. وركزت التقارير الإعلامية على دور إمام النوبي عام 2015 وعلاقته بقائد قوات الحزام الأمني الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي. واتخذت قيادة إمام النوبي لمعسكر 20 طابعا رسميا عام 2015 بواسطة “المقاومة الجنوبية، قبل أن يتم الاعتراف بها فيما بعد من خلال وزارة الداخلية تحت قيادة الرئيس هادي بجانب وحدات الحزام الأمني. ولم يكن إمام النوبي قط على نفس خط الحراك والعناصر الانفصالية الجنوبية الأخرى في عدن. ومنذ عام 2015، تمثل دوره في كريتر في تأسيس موطئ قدم للقوات الموالية للإصلاح وموازنة العلاقات مع الحراك، والمجلس الانتقالي الجنوبي لاحقا لمناهضة أي تحركات محتملة تجاه الانفصال. ولم يتربح إمام النوبي فقط من موقعه كقائد أمني لكنه أصبح بمثابة المُنَّفذ للأطراف الدينية والمناهضة للانفصاليين. وتركزت بؤرة اهتمام عدد من التحقيقات في قضايا تعذيب واغتيالات حتى وقت عزله من منصبه كقائد في أكتوبر 2017 على استهداف شباب الحراك الناشط أو هؤلاء الذين أعلنوا أنفسهم ملحدين في عدن.

 

التصعيد والدور الإعلامي

 

وبالفعل، فإن شرح التفاصيل الدقيقة لمثل هذا الصراع المعقد مهمة صعبة، لكن الأمر بالغ البساطة هو العزوف عن زيادة حدة الخصومة بمثل هذا المستوى من المعلومات المضللة خلال التقارير المنشورة منذ 1 أكتوبر.

 

ويرى الجنوبيون أن المشكلة مع وسائل الإعلام الأجنبية تبدأ بالاعتماد على صحفيين ومراسلين محليين من المحافظات الشمالية والذين يقومون بتقديم تقارير تتسم بالانحياز بشأن أحداث وقضايا الجنوب.

 

بحث سريع للأخبار الصادرة باللغة الإنجليزية بشأن اشتباكات كريتر ينجم عنه عناوين رئيسية تشير إلى وجود صراع “بين الانفصاليين”. ويمثل هذا نتاجًا للنهج المزدوج للتغطية الإخبارية بشأن الصراع. وبدأ فيض المعلومات المضللة من خلال منصات إعلامية محلية ناطقة بالعربية، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي حيث تقوم بالتركيز بدون أي شك على الصورة السلبية للقوات الجنوبية. على سبيل المثال، فإن قناة بلقيس، تلك الشركة الإعلامية التي يقع مقرها في إسطنبول وأسستها توكل كرمان الحائزة على نوبل كانت أول موقع إعلامي ينشر تقارير بشأن الاشتباكات. وعلاوة على ذلك، أنتج موقع الصحوة نيوز، وقناة يمن شباب المواليتان لحزب الإصلاح، و”المهرية” التي يقع مقرها في إسطنبول أيضا الكثير من التقارير الأولية عن الأحداث باللغة العربية. وتم تسليط الضوء على تلك المنصات بسبب مستوى التأثير لديها وتصنيفها المرتفع بين اليمنيين وغيرهم من الجمهور الناطق بالعربية في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق.

 

ومن هنا يبدأ الأمر حيث نرى كيف يتم تبني تلك الروايات من خلال وسائل إعلامية باللغتين العربية والإنجليزية أمثال “العربية” و “عرب نيوز” والجزيرة” وحتى “الشرق الأوسط”. وتعتمد العناوين الرئيسية الصراع باعتباره قتالًا داخليا في صفوف المجلس الانتقالي الجنوبي. ورسمت محتويات التقارير المنشورة إمام النوبي كشخصية انفصالية موالٍ للمجلس الانتقالي الجنوبي. وتحدثت تقارير عن انتمائه إلى قوات الحزام الأمني كذلك.

 

ويبدو أن تصوير النوبي على مثل هذا النحو لا يعتمد على حقائق خلفيته وانتمائه السياسي بل يبدو الأمر وكأن خلفية أخيه غير الشقيق، مختار النوبي، قد جرى زرعها في إمام استنادا فقط على علاقات الدم. لم يسبق لوسائل الإعلام الموالية للإصلاح أن تحدثت عن وجود أي علاقة بين إمام النوبي والحزب أو القوات الأمنية المرتبطة بالحزب الموالي للإخوان المسلمين في اليمن. سيكون من السذاجة تخيل أن مثل هذه المنصات الإعلامية اليمنية البارزة ينقصها المعلومات والخلفية التاريخية عن اللاعبين الضالعين في الصراعات. وأشعلت هذه التقارير جبهة ثانية من الجنوبيين الذين اتخذوا العناوين الرئيسية وسيلة لدعم آرائهم حول وجود تحزب في التقارير الإعلامية وإلقاء الضوء على نطاق الصراع السياسي بين الإصلاح والقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

وعلاوة على ذلك، فإن المانشيتات والمحتوى الذي نشرته وسائل الإعلام الغربية أمثال “رويترز” و”أسوشيتدبرس” و”واشنطن بوست” وجاردا وورلد” و”ياهو نيوز” و”إيه بي سي نيوز” تحاكي نفس ما تفعله المنافذ الإعلامية الخليجية، حيث تتقاطر الروايات التي يخلقها خصوم المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل سريع نحو المكاتب الإعلامية الغربية دون أن تخضع على ما يبدو لمزيد من التدقيق المعلوماتي أو التغطية الدقيقة. مثل هذه العملية، الواضحة لجمهور الجنوب الناطق بالعربية أو بالإنجليزية في كل مكان، أضافت دليلا على وجهات نظر واسعة الانتشار مفادها وجود بيئة معادية تغذّي سرد “نحن في مواجهة هم”، بمعنى أنها تؤجج الانقسام. وتكتفي الجماهير الجنوبية المتشككة للغاية بالفعل بالإشارة إلى مستويات التضليل المعلوماتي وانحدار مصداقية وسائل الإعلام الأجنبية. وبدأ الجنوبيون في إلقاء اللوم على وسائل الإعلام الغربية لنشرها تقارير متحزبة مبسطة تستهدف الترويج لأجندة حزب سياسي معين.

 

لا يوجد ثمة شك في أن معظم التغطية الإعلامية لاشتباكات كريتر التي استمرت يومين لم تكن متوازنة، كما أن إخفاق معظم وسائل الإعلام الغربي في هذا الصدد يوضح وجود مشكلة كبرى إذا أردنا البحث عن طريق يؤدي إلى اتفاق سلام بين اللاعبين أصحاب الجذور العميقة. إذ ساهمت التغطية الإعلامية في تصعيد الصراع السياسي وتقليص مصداقية الإعلام الغربي وزيادة وتيرة إقصاء الجنوبيين الباحثين عن فهم أكبر للقضية الجنوبية بين جمهور عالمي أكثر اتساعًا. وكان التأثير الأعمق لهذا الحدث أكثر وضوحا حينما أخفقت البعثات الدبلوماسية وبيانات الأمم المتحدة في مخاطبة التفاصيل الدقيقة للصراع مما ساهم ببساطة في السماح للتغطية الإقليمية والدولية بالمضي قدما بلا منازع.

 

كاتب التقرير : فرناندو كارفاخال

خبير في الجماعات المسلحة وخبير إقليمي في فريق خبراء اليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أبريل 2017 إلى مارس 2019. لديه ما يقرب من 20 عامًا من الخبرة في إجراء العمل الميداني في اليمن وهو متخصص في السياسة اليمنية والعلاقات القبلية.