الرئيسية / أخبار اليمن / أرق 7\7 وإرث الرفاق (تقرير)

أرق 7\7 وإرث الرفاق (تقرير)

 

السبت 6 يوليو 2019م

تقرير – خاص (نقلا عن وكالة عدن الإخبارية)

يبدو المشهد في عدن، عشية السابع من يوليو، وكأن الجحيم فتح أبوابه من جديد. المعارك تكتسح أحياء وشوارع المدينة. اقتتال أهلي في الشيخ عثمان والمنصورة ودار سعد. الفوضى تشكل أبرز أعمدة الوضع القائم. اختطاف فتيات، محاولات اغتيال، سطو مسلح. لا شيء يذكر الجنوبيين بهذا الوضع إلا تاريخه المشئوم في عام 1994، عندما دخلت قوات النظام السابق عدن. كانت حينها عدن مستباحة بفتوى مشايخ الإخوان وفتوة المؤتمر والإصلاح وشركائهم الجنوبيين في تحالف 7\7.

اليوم المشهد ذاته يتكرر، مع أن الفارق كبير. لم يعد للنظام السابق أي دور أو يد هنا، وحتى حكومة هادي لا تملك سلطة وإن صدرها التحالف شكلياً إلى الواجهة. كل من يحكم هنا جنوبي. من الرئيس هادي وحتى “الرئيس” الزبيدي، أين الخلل إذاً؟

جميع المؤشرات على الساحة الجنوبية تؤكد أن الأزمة ليست مسألة وحدة أو انفصال .. استعادة دولة أو فك ارتباط .. هذه الشعارات ظلت شماعة القيادات الجنوبية التوّاقة للاستثمار في القضية الجنوبية منذ عام 2007. لكن اليوم لا شيء يمنعها من تطبيق كل تلك الشعارات جملة واحدة، وقد خلا الجو لها، غير أن تلك القوى، المدعومة خارجياً، تسعى لاستغلال المناسبة للتنكيل بالمزيد من خصومها، وهي أيضاً مناسبة للتحالف لتغذية الانقسام في المجتمع اليمني المثخن أصلاً بجروح 5 سنوات من الحرب.

لم تعد قوات الأمن المركزي أو الحرس الجمهوري تجوب شوارع عدن بالآليات الثقيلة والمصفحات، وكل من يتقاتل اليوم هم الحماية الرئاسية، التي تضم في أغلبها مسلحين قبليين من أبين، وكذا ألوية الحزام الأمني، التي يشكل شباب يافع قوامها، ومثلها إدارة أمن عدن واللواء الأول مشاة، الخاص بأبناء الضالع، أضف إلى ذلك ألوية الصبيحة.

هذه التوليفة المناطقية لم تُبنَ من فراغ، فهي مؤشر على أن القوى الجنوبية تخطط لسحب الجنوب، أرضاً وإنساناً، إلى دوامة عنفها الدموي في يناير من عام 1986، عندما كان الرفاق يقتلون بالهوية ويدفنون المواطنين أحياء؛ في جرائم عُدت الأبشع في تاريخ اليمن الحديث.

يريد هادي السلطة، وهو مدعوم سعودياً ومسلح بأبناء محافظته، ومثله الزبيدي الذي يتخذ من الضالع مترساً لطموحه. هما لا يملكان قرارهما، ولو كانا كذلك لكانت عدن والمدن الجنوبية تغوص في بحر من الدماء. حاولا مؤخراً تفجير الأوضاع في عدن وشبوة وسقطرى والمهرة وحضرموت، لكنهما اصطدما بضغوط المشغل، ليعودا إلى حلبة الصراع من تحت الطاولة. تدعم الحماية الرئاسية أهالي المحاريق؛ فيدفع الانتقالي لتقديم العون لأهالي السيلة، في صورة عكست طموح هذين الخصمين اللدودين اللذين انطويا ذات يوم تحت مسمى “الطغمة والزمرة”.

هذه المعارك التي تدور رحاها منذ أسابيع وخلفت عشرات القتلى والجرحى، وسط عمليات قتل واختطاف بالهوية؛ هي مشهد آخر من يناير الأسود، يراد له أن يطبق مستقبلاً على كافة مناطق الجنوب.

يدفع الانتقالي بشباب الضالع ويافع حالياً إلى معسكرات التجنيد في شبوة، بعد ما سقطت ورقة “النخبة”، وتمنطقها خلف قيادات المجلس في هذه المحافظة، وعلى رأسهم صالح بن فريد العولقي، الذي رأى مؤخراً مغامرة الزبيدي في شبوة بمثابة محاولة لإعادة نكء الجروح وتصفية حسابات قديمة.

كانت شبوة تمثل طرفاً في ثوب “الزمرة”، والآن يحاول الزبيدي ضمها إلى طغمته، لكنه قبل ذلك يحاول إحراقها أو على الأقل الانتقام من قادتها ،وهذه الملامح التي استشرفتها شخصيات شبوة الاجتماعية كانت دافعاً لعودة صالح بن فريد العولقي وأحمد مساعد حسين، وإجهاض مخطط الانتقالي في مهده، بإفشال محاولة سيطرة قواته على عتق، المركز الإداري لشبوة.

القوى الجنوبية لم تعد مؤمنة بالقضية الجنوبية، أو تحقيق استعادة الدولة، فجميعها الآن تبحث عن تحالفات خارج الأراضي الجنوبية على أمل الظفر بخصومها الجنوبيين. تحالف هادي مع الإخوان منذ الوهلة الأولى لصعوده النظام في 2013، ويتحالف الانتقالي اليوم مع ما تبقى من مؤتمر عفاش- جناح الإمارات- وكلاهما لا ينظران للجنوب كقضية شعب، بل كوسيلة نقل إلى السلطة. يؤكد ذلك التظاهرات التي أخرجها الانتقالي في سقطرى ولم ترفع حتى قطعة قماش من علم الجنوب، ومثلها تلك التي أخرجها هادي وحراك الإخوان ورفعت علم اليمن.

بالنسبة للقوى الإقليمية هذا الصراع ظاهرة جيدة لبقائها، فهي من تدعم وتغذي الصراع، وفي الأخير لن تمر إلا أجندتها التي سبق وأن حددتها بتمزيق اليمن إلى 6 دويلات، تحت مسمى “أقاليم”. دولياً أيضاً لا تبدو التوجهات بشرى جديدة للجنوبيين، فالولايات المتحدة، كما يبدو، حسمت أمرها بحديث سفيرها الجديد عن دولة الوحدة، وحتى روسيا التي سربت وثائق جديدة عن استغلالها لصوت اليمن الديمقراطية مقابل منحها ما فاض من الأسلحة، وهو موقف روسي جديد يشير إلى أن موسكو التي تتحدث عن خوضها صراعاً ضد اليساريين في دولة ما قبل الوحدة؛ لا يروق لها يساريو اليوم.

 

وبغض النظر عن مواقف القوى السياسية في الجنوب والشمال وحتى الإقليم والعالم؛ تظهر الاحتجاجات التي خرجت في شوارع عتق وسقطرى والمهرة وحضرموت، وربما عدن قريباً، أن المواطنين تعبوا من استغلال طموحهم، وكل همهم الآن توفير الأمن والاستقرار والعيش الرغيد، بعد سنوات عجاف تجرعوا خلالها الويل والنكبات.