الأربعاء 10 يوليو 2019م
متابعات: لندن ( القدس العربي) :
بات من المعروف الآن أن دولة الإمارات العربية شرعت منذ أسابيع في تخفيض قواتها العسكرية المتواجدة على امتداد مناطق مختلفة في اليمن، والتي كانت قد انتشرت ضمن مشاركة أبو ظبي الواسعة في العمليات القتالية للتحالف الذي تقوده السعودية هناك منذ آذار/مارس 2015. وأشارت تقارير صحافية إلى أن التخفيض لا يقتصر على أعداد الجنود، بل يشمل أيضاً معدات عسكرية هامة وثقيلة، كما يمتد نطاقه من العاصمة صنعاء وجنوب مأرب، وصولاً إلى ميناء عصب الإرتيري الذي يعتبر نقطة انطلاق القوات الإماراتية.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد نقلت عن مسؤول إماراتي رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، قوله في دبي إن تخفيض هذه القوات يجري لأسباب إستراتيجية وأخرى تكتيكية، مستكملاً بذلك ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول إماراتي من أن الإمارات ستنتقل من الإستراتيجية العسكرية إلى إستراتيجية السلام أولاً. ومن الواضح أن هذه الأقوال تسعى إلى تغطية الأسباب الفعلية وراء القرار الإماراتي، والتي يأتي في طليعتها إدراك أبو ظبي أن الحملة العسكرية للتحالف وصلت إلى طريق مسدود، وباتت عاجزة عن تحقيق أي نصر عسكري ملموس يمكن أن يقلب الموقف جذرياً، أو يحسم الحرب لصالح الرياض وأبو ظبي أو أي منهما.
السبب الثاني هو إحساس السلطات الإماراتية بالذعر إزاء تطور أشكال الردّ العسكري من الجانب الحوثي، خصوصاً استهداف المطارات ومصافي النفط في العمق السعودي باستخدام الطائرات المسيرة المحملة بمواد انفجارية، والذي سبق أن شمل بعض الأهداف داخل الإمارات، ويمكن بالتالي أن يتوسع من ناحيتي الكم والنوع، على غرار ما تعاني منه السعودية. كذلك فإن استهداف سفن الشحن التجارية الراسية في ميناء الفجيرة، ثم ناقلات النفط في بحر عُمان، أطلق أكثر من جرس إنذار واحد في أبو ظبي، ولعله يفسر أيضاً تركيز السلطات الإماراتية على نقل بطاريات «باتريوت» وأنظمة «ثاد» المضادة للصواريخ من مرابض انتشارها في اليمن إلى الداخل الإماراتي.
السبب الثالث هو تخوف السلطات الإماراتية من إمكانية الوقوع في تقاطع النيران بين الولايات المتحدة وإيران، إذا تطورت الحرب الكلامية الراهنة إلى مواجهات عسكرية من أي نوع، خصوصاً إذا تعددت ميادين الاشتباك فشملت اليمن أيضاً. ورغم تكديس الإمارات ترسانة هائلة من الأسلحة بلغت عقودها مئات المليارات من الدولارات، فإن الجيش الإماراتي ليس مهيئاً للانخراط في هذا المستوى من الصراع العسكري، والسلطة الحاكمة في أبو ظبي أبعد ما تكون عن التحلي بالجسارة اللازمة للدخول في مجازفة من هذا النوع.
وبين أن يكون انسحاب الإمارات من اليمن تبشيراً بمرحلة إستراتيجية السلام كما يقول المسؤولون الإماراتيون، أو إقراراً بالهزيمة ولكن على نحو مبطن يحفظ ماء الوجه كما تقول الوقائع، يبقى من الثابت أن أطماع أبو ظبي في موانئ اليمن ما تزال قائمة، وتشهد عليها ممارسات القوات الإماراتية في المخا والمكلا وعدن والحديدة ذاتها. ولذلك لم يكن مستغرباً أن التخفيض لم يشمل مناطق في شبوة والساحل الغربي، بل جرى العكس عملياً، وتم تعزيز القوات في هذه المناطق.
وأما المؤشر الأهم وراء القرار الإماراتي فإنه ارتقاء الخلافات بين الرياض وأبو ظبي حول إدارة ملف اليمن إلى مستوى الافتراق الميداني، وهذا أمر يستحيل إخفاؤه أو تجميله.